الحمدلله الدي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الدين كفروا
بربهم يعدلون، الحمدلله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى،
وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ
قدير وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله وصفيه وخليله أرسله على حين فترة من
الرسل بشيرا ونديرا وداعيا إلى الله بإدنه وسراجا منيرا فصلى الله عليه
وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبادالله تواترت النصوص القرآنية والنبوية على الترغيب في الجهاد في سبيل
الله والحضِّ عليه، ومدح أهله والإخبار عما لهم عند ربهم، من أنواع
الكرامات والعطايا الجزيلات، ويكفي في ذلك قوله تعالى:[ياأيها
الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم]
فتشوقت النفوسُ إلى هذه التجارة الرابجة ، الدّالُ عليها ربُّ العالمين ،
فقال:[
تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم]
فكأن النفوسَ ضنَّت بحياتها وبقائها،
فقال:[ ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون]
يعني الجهادُ خير لكم من قعودكم للحياة والسلامة، فكأنها قالت: فما لنا
في الجهاد من الحظّ؟
فقال:[ يغفرلكم ذنوبكم]
مع المغفرة
[ ويُدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك
الفوز العظيم]
فكأنها قالت: هذا في الآخرة، فمالنا في الدنيا؟ فقال:
[ وأخرى تحبّونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين]
فيا لله ما أحلى هذه الألفاظ ! وما ألصقها بالقلوب! وما أعظمها جذبا لها!
وتسييراً إلى ربّها! وماألطف موقعها من قلب كلِّ محبٍّ! وما أعظم غنى
القلب! وأطيب عيشه حين تباشرُه معانيها! فنسأل الله من فضله إنه جواد
كريم(1)
وقال عليه الصلاة والسلام
:[ لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا ومافيها]
متفق عليه.
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال:[
مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله،
لايَفتُرُ من صيام ولاصلاة حتى يَرجع المجاهد في سبيل الله، وتوكل الله
للمجاهد في سبيله بأن توفاه أن يُدخله الجنة، أو يُرجعه سالما مع أجر أو
غنيمة]
واعلموا أيها الناس: أن الجهادَ مشروعٌ في الإسلام بضوابط وشروط، جاءت في
كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار السلف الصالح، فلا يتمُ
الجهاد في سبيل الله، ولايكون عندالله تعالى عملا صالحا مقبولا
إلاّبمراعاتها، والأخذ بها والعمل على وفقها، ومن أهم هذه الضوابط
والشروط مايلي:-
أولا: أن يكون الجهاد مبنيا على الشرطين الذين هما أساس كلِّ عمل صالح
مقبول، وهما الإخلاص والمتابعة، فالله جل وعلا لايقبل جهادَ من جاهدَ
إلاّ إذا أخلص النية فيه لله تعالى، وابتغى به مرضاة الله سبحانه، فإذا
ابتغى بجهاده طلب مصلحته هو، أوطلب الرئاسة، ونحوذلك مما يقع في نفوس بعض
الناس وفي مقاصدهم، فهذا جهادٌ لايقبلُه الله جل وعلا. وكذلك لايقبلُ
الله تعالى جهادَ من جاهد إذا لم يُتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
جهاده، فلابد لمن أراد الجهادَ في سبيل الله أن يَنظُر في سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ويقتفيَ آثاره، ويَهتديَ بهديه، ويَسيرَ على نهجه في
جهاده وفي سائر عباداته.
ثانيا: أن يكون الجهاد موافقا لمقصود الجهاد، والغايةِ التي شُرع من
أجلها، وهو أن يجاهد المسلم، ليكون الدين لله، ولتكون كلمة الله هي
العليا، كما قال صلى الله عليه وسلم
:[ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله]
متفق عليه.
ثالثا: أن يكون الجهاد بعلم وفقه في الدّين، وذلك لأنه من أعظم العبادات
وأجلِّ الطاعات، والعبادة لاتَصلحُ إن لم تكن بعلم وفقه في الدين، ولهذا
قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله " من عبدالله بغير علم كان مايُفسد أكثرَ
ممايُصلح" وفي الأثر:" العلم إمامُ العمل، والعاملُ تابعُه" وهذا ظاهر،
فإن القصدَ والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلا وضلالا واتباعا للهوى. فلا
بدّ في الجهاد من العلم بحقيقة الجهاد ومقصوده ، وأنواعه، ومراتبه،
ولابدّ من العلم بحال من يُجاهده. قال الشيخ صالح الفوزان رعاه الله:"
والجهادُ له باب عظيم في مؤلفات أهل العلم يُرجعُ إليها وتُستقرأُ هذه
الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله، ويُسألُ عنها أهلُ العلم وأهلُ
البصيرة لأن الجهادَ أمره عظيم، إذا نُظِّمَ وصار على ما رسمه الله عزوجل
صار جهادا نافعا للأمة، أمّا إذا كان فوضى وبغير بصيرة وبغير علم، فإنه
يُصبحُ نكسةً للأمة وعلى المسلمين، فكم يُقتلُ من المسلمين بسبب مغامرة
جاهل أغضبَ الكفّار وهم أقوى منه، فانقضّوا على المسلمين تقتيلا وتشريدا
وخرابا، ولاحول ولاقوة إلاّبالله، ويُسَمون هذه المغامرة بالجهاد، وهذا
ليس هو الجهاد، لأنه لم تتوفر شروطه، ولم تتحقق أركانه، فهو ليس جهادا،
إنما هو عدوان لايأمرالله عزوجل به" إنتهى أقول ما تسمعون
وأستغفرالله (1) قاله ابن القيم
الحمدلله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل وأشهد أن لاإله
إلاّالله وحده لاشريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل وأشهد أن محمدا
عبدالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
رابعا: أن يكون الجهادُ في سبيل الله بحسب حال المسلمين من القوة والضعف،
فإن الأحوال تختلف زمانا ومكانا، والجهاد في سبيل الله قد شُرع في
الإسلام على مراحل: ففي العهد المكي لم يكن الجهادُ باليد ولابالسيف
مشروعا، لأن المسلمين كانوا في قلة وضعف، ولكن شُرع الجهاد بالقلب
واللسان، قال الله تعالى:[
فلاتطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا]
فهذه الآية مكية، وقوله فيها:[
وجاهدهم به ]
قال ابن عباس: "القرآن" كما رواه الطبري في تفسيره. وبعد الهجرة إلى
المدينة والشروع في إقامة الدولة الإسلامية أُذن للمسلمين في القتال
مطلقا بقوله تعالى:[
أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير]
ثم فُرض الجهادُ على المسلمين وأُمروا بأن يقاتِلوا من قاتلهم، ويكفوا
عمن كفّ عنهم، قال
تعالى:[ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب
المعتدين]
ثم بعد ذلك أنزل الله تعالى الآيات الآمرة بالجهاد مطلقا، وعدم الكفّ عن
أحد حتى يَدخل في دين الله أو يؤدّي الجزية إن كان من أهلها مثل قوله
تعالى:[
وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كلُه لله]
وقد رجّح المحققون من أهل العلم أن هذه الآيات ليس فيها شئ منسوخ، ولكنها
على الاختلاف في الأحوال، فعلى المسلمين في كل زمان ومكان أن يأخذوا بها
بحسب ماهم فيه من الضعف والقوة، فإذا كانوا في ضعف من جهة العدة والعتاد
بالنسبة لعدوهم فلايَصحُ لهم أن يَسلكوا مسلك جهاد العدو وقتاله لكونهم
ضعفاء، ويُوضح ذلك أن الله لم يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة
بقتال الكفار لمّا كانوا في مكة، لضعفهم من جهة العدة والعتاد بالنسبة
لعدهم، قال الشيخ ابن سعدي:" فليعلم هؤلاء ومن يستجيبُ لهم أن الله لم
يُكلِّف الناس إلاّ وُسْعَهم وطاقتَهم، وأن للمؤمنين برسول الله أسوةً
حسنة، فقد كان له صلى الله عليه وسلم حالان في الدعوة والجهاد: أُمر في
كل حال بما يليق بها ويُناسبُها، أُمر في حال ضعف المسلمين وتسلُط
الأعداء بالمدافعة والاقتصار على الدعوة إلى الدين، وأن يكُفَّ عن قتال
اليد، لما في ذلك من الضرر المُربي على المصلحة، وأُمر في الحالة الأخرى
أن يَستدفعَ شُرورَ الأعداء بكل أنواع القُوة، وأن يُسالِمَ من تقتضي
المصلحةُ مسالمتَه، ويُقاوِمَ المعتدين الذين تقتضي المصلحةُ بل الضرورةُ
محاربتَهم، فعلى المسلمين الاقتداءُ بنبيهم في ذلك وهو عين الصلاح
والفلاح" إنتهى كلامه.
خامساً: أن يكون الجهادُ مؤدِّياً إلى مصلحة راجحة، وأن لايترتب عليه
مفسدةٌ أعظم، وذلك لأن الجهادَ بجميع صُوره إنما شُرعَ لما فيه من تحقيق
المصالح ودَفع المفاسد عن الإسلام والمسلمين أفرادا وجماعات، فلايزال
مشروعا إذا عُلمَ باليقين أو غَلبَ على الظن تحقيقه لهذه المقاصد الشرعية
فإذا تُيُقِّنَ أو ظُنَّ أنه يترتب على القيام به من المفاسد ماهو أعظم
من الصالح لم يكن حينئذ مشروعا ولاجهادا مأمورا به. قال شيخ الإسلام :"
وأفضلُ الجهاد والعملُ الصالح ماكان أطوع للرب، وأنفع للعبد، فإذا كان
يَضرُّه ويَمْنَعُه مما هو أنفعُ منه لم يكن صالحا"
سادسا: أن يكون الجهادُ بالعدل بعيدا عن العدوان والبغي: وهذا ضابط مهم
جاء الأمرُ به والتأكيدُ عليه في الجهاد في سبيل الله كما قال الله تعالى:[
وقاتلوا في سبيل الله الذي يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين]
وقال تعالى:[
ولايجرمنكم شنئان قوم على ألاتعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى]
وبين أهل العلم أن من لم يكن من أهل القتال كالنساء والصبيان والشيوخ
الفانين والمجانين والرهبان، أن هؤلاء جميعا لايُقتلون في الجهاد، لأن
القتال هو لمن يُقاتِلُنا إذا أردنا إظهار دين الله، فمن لم يقاتلنا من
هؤلاء لم يَجُز قتله، وذلك أن الله تعالى إنما أباح من قتل النفوس
مايحُتاج إليه في صلاح الخلق قال سبحانه:[والفتنة
أكبر من القتل]
وبالجملة، فأساسُ هذه الضوابط وخلاصتها أيها المسلمون: تحكيم الكتاب
والسنة في كل صغيرة وكبيرة وأهمُ مايتناوله ذلك أربعة أمور هي: صحة
المعتقد، وإخلاصُ النية، وصدق التوكل ، وحسن المتابعة.
اللهم أعزالإسلام المسلمين وأذل الشرك والمشركين أعداءك أعداء الدين يارب
العالمين اللهم اغفرلنا ولوالدينا ولجميع المسلمين في الآخرة والأولى
ربنا آتنا في الدنيا حسنة في الآحرة حسنة وقنا عذاب النار وصلى الله على
محمد وآله وصحبه أجمعين
المرجع/
القطوف الجياد من حكم وأحكام الجهاد/للشيخ عبدالرزاق العباد/ و:مهمات في
الجهاد/للشيح
الريس
|