إن الحمدلله نحمده
ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سئيات أعمالنا من يهده
الله فلامضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك
له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم [ياأيها الذين آمنوا
اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلاّوأنتم مسلمون][ ياأيهاالناس اتقوا ربكم
الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا
واتقوا الله الذي تساؤلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا][ ياأيها
الذي آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفرلكم
ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما]
أما بعد: فإن أحسن الحديث
كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل
بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
إعلموا أيهاالناس: أن
كلَّ جهاد لم يُقصد به إعلاءُ كلمة الله تعالى، أو لم يُلتزم فيه
بالضوابط الشرعية التي لابد منها، ولابآداب الإسلام التي تجبُ مراعاتها،
فإنه يُعدُّ انحرافا في الجهاد، وخروجا عن مقصوده الأصلي الذي شُرع من
أجله، وبقدر وقوع العبد في هذا الانحراف يفوتُ على نفسه الفضلُ الموعودُ
في الجهاد في سبيل الله، بل يكون له الوزرُ والعقابُ بقدر ماوقع فيه من
الانحراف، ولهذا جاءت أحاديثٌ نبويةٌ كثيرةٌ في بيان صُور الانحراف في
الجهاد والتحذير منها، ومن هذه الأحاديث:
حديث معاذ بن جبل رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ الغزو غزوان،
فأما من ابتغى وجه الله
وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه
أجرٌ كله وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه
لم يرجع بالكفاف} رواه أبو داود بسند حسن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول :
{ من خرج من الطاعة
وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عُمية يغضب لعصبية
أو يدعو لعصبية أو ينصر عصبية فقُتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي بسيفه
يضربُ برّها و فاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس
مني ولست منه } . رواه مسلم وفي صحيح
مسلم أيضا من حديث معاذ بن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
{ من ضيق منـزلا أو قطع
طريقا أو آذى مؤمنا، فلا جهاد له}
أيهاالمسلمون
: إن الانحراف في الجهاد بجميع صوره وأنواعه ينتج عنه مخاطر جسيمة ومساوئ
كثيرة يُدركُها من نظر في عواقب هذه الانحرافات والمخالفات، أو تأمل في
بواعثها وتصرفات أصحابها، ويَحسنُ التنبيه هنا على أهم الأمور التي يُعرف
بها خطر الانحراف في الجهاد ومن ذلك :
أولا:
القتال تحت رايات جاهلية غيرَ راية التوحيد، وذلك أن الانحراف في الجهاد
يؤدي إلى استعمال الجهاد في غير مقصوده الشرعي ولتحقيق أغراضٍ مخالفةٍ
لما يدعوا إليه الإسلام، وهذا ما حذّره رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث
قال:{ ومن قُتل تحت راية
عُمّية يغضب لعصبية ويُقاتل لعصبية، فليس مني}
ثانيا:
استحلال الدماء المحرمة وقتلُ الأنفس المعصومة، فالانحراف في الجهاد يؤدي
إلى اتخاذه ذريعة لاستحلال الدماء المحرمة وقتل الأنفس المعصومة بدعوى أن
ذلك جهادٌ في سبيل الله، كما فعلت فرقةُ الخوارج الذي خرجوا على أهل
السنة والجماعة في خلافة علي رضي الله عنه واستحلوا دماء المسلمين
وأموالَهم، وأغاروا على مواشيهم، وكما فعلته الجماعات المنحرفة الخارجة
عن السنة بعد ذلك إلى وقتنا الحاضر، وحذّر النبي صلى الله عليه وسلم
أشدّ التحذير من هذا الانحراف، فقال:
{ ومن خرج على أمتي يضربُ برَّها وفاجرَها، ولايتحاشى من مؤمنها، ولايفي
لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه}
رواه مسلم.
ثالثا:
تشويهُ صورة الإسلام وإعاقةُ مسيرة الدعوة إلى الله، وذلك بسبب القيام
بالأعمال التخريبية والتصرفات العُدوانية والتفجير والتدمير، وتَسمية ذلك
جهاداً، فينطبع لدى الكافر والجاهل أن ذلك من الدّين، وأن ذلك من صفات من
يتمسك بالإسلام، فتصدّهم هذه الصورة المشوِّهة عن الإسلام، ويوغرُ صدورهم
على المسلمين، بينما هي أعمال تُمثلُ أصحابَها ولاتَمُتُّ إلى الإسلام
بصلة.
أقول قولي هذا وأستغفرالله.
المرجع/ القطوف الجياد في أحكام الجهاد. 27/
رجب/ 1428هـ
الحمدلله
رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل وأشهد أن لاإله إلاّالله وحده
لاشريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
رابعا:
التفرقُ والاختلافُ والخروجُ عن جماعة المسلمين وإمامِهم، وهذا من أعظم
خطر الانحراف في الجهاد قديما وحديثا، وقد عُلم بالضرورة من دين الإسلام
أنه لادين إلاّبجماعة، ولاجماعةٌ إلاّبإمامة، ولا إمامة إلاّ بسمع وطاعة،
وأن الخروج عن طاعة ولي أمر المسلمين والافتيات عليه بالغزو وغيره من
أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد والعدولِ عن سبيل الهدى والرشاد.
قال شيخ الإسلام :" ويجب على المسلمين أن يكونوا يدا واحدة على الكفار،
وأن يجتمعوا ويقاتلوا على طاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله، ويدعوا
المسلمين إلى ماكان سلفهم الصالح من الصدق وحُسن الأخلاق، فإن هذا من
أعظم أصول الإسلام وقواعد الإيمان التي بعث الله رسلَه، وأنزل بها كتبَه،
أمر عبادَه عموماً بالاجتماع، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، كماقال تعالى:[
أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه]
خامسا:
إضعافُ المسلمين وتسليطُ أعدائهم عليهم: وذلك لأن الذي سلك في جهاد
الكفار سبيلاً خاطئاً غير منضبط بالضوابط الشرعية، ولايراعي أحوال
المسلمين يكون عاقبة عمله هذا إعطاءَ الكفار ذريعة للانتفام من المسلمين
والتدخل في شؤونهم وإضعاف قوَّتهم، كما هو واقع الأمة الإسلامية في هذه
الأيام بسبب انحراف بعض أبناء المسلمين في الجهاد ، ولاحول ولاقوة
إلاّالله.
أيها المسلمون: وللانحراف في الجهاد أسباب عديدة منها:
فسادُ النيات واتباعُ الأهواء، فإن من فسدت نيتُه أو كان متبعا لهواه،
فإنه يأتي بالجهاد غير قاصد به طاعة الله تعالى، وإنما يأتي به لهوى في
نفسه، قال شيخ الإسلام:" وهؤلاء الذين يأتون بصورة الطاعات مع فساد
النيات، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: يارسول
الله، الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل
الله؟ قال:
{من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} قال تعالى:[ إن المنافقين
يخادعون الله وهو خادعُهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون
الناس ولايذكرون الله إلاّقليلا]
وهؤلاء هم أهل إرادةٍ فاسدةٍ مذمومةٍ، فهم مع تركهم الواجب فعلوا
المحرّم"
ومنها
أيضا: ضحالةُ العلم وقلةُ الفقه في الدين، وذلك لأن الذي يقوم بالجهاد
وليس عنده علمٌ صحيحٌ ولافقهٌ واضحٌ بحقيقة الجهاد وضوابطه ومقاصده لابد
أن يكون في جهاده خللٌ وانحرافٌ من حيث لايشعر.
ومنها أيضا
عبادالله: الغلو، وهو
منهج خطير أدّى بكثير من الناس إلى انحرافات في الجهاد وغيره، بل هو أصل
ضلال كثير من أصحاب البدع والأهواء، كالخوارج والروافض وغيرهم، ممن
اعتقدوا في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم
ضالون، ثم عدُّوا ما يرونه ظلما وضلالا عندهم كفرا، ثم رتبوا على هذا
التكفير أحكاماً ابتدعوها، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمّته عن
الغلو، فقال عليه الصلاة والسلام:{ إياكم والغلو، فإنما
أهلك من كان قبلكم الغلو}
ومنها
أيضا أيها الأحبة: الأخذُ ببعض الفتاوى التي لم يُعرف أصحابُها بعلم،
والإعراضُ عن فتاوى الأئمة الراسخين والفقهاء المحققين، أهلِ العلم
والحكمة والأناة والرزانة والنظر في عواقب الأمور، فإن البركة مع هؤلاء،
كما قال صلى الله عليه وسلم
:{البركة مع أكابركم} بل آل الأمر بالبعض إلى
الأخذ بفتاوى نكرات لا يُعرفون ومجاهيلَ لا يُدرى عن حقيقة حالهم، عن
طريق شبكة المعلومات، فكيف يَرتجي هؤلاء السلامةَ والخيرَ وهذه منابعُهم
ومصادرُ تلقيهم.
ومنها
أيضا: الاندفاعُ والتهورُ والعجلةُ وعدمُ التأمل في عواقب الأمور،
والعجلةُ لاتأتي بخير، ومن كان عجولا في أموره مندفعا في تصرفاته فإنه
لايأمن على نفسه من الزلل والانحراف، وقد قال عبدالله بن مسعود رضي الله
عنه:" إنها ستكون أمور مشتبهات، فعليكم بالتؤدة، فإنك أن تكون تابعا في
الخير خير من أن تكون رأسا في الشر"
نسأل
الله أن يُصلح أحوال المسلمين وأن يقيهم شرَ أعدائهم وأن يحفظ على
المسلمين أمنهم وإيمانهم، وأن يكف بأس الذي كفروا والله أشد بأسا وأشد
تنكلا. وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصبحه أجمعين |